الحركــة التلمذية : ملامح و أفـــــــاق
ما يناهز عقدا من الزمن و أكثر هو عمر العمل الدعوي داخل
المجتع التلمذي . سنوات طوال و الساحة التلمذية شاهدة على تلك الملحمة التاريخية
التي مرت بها الدعوة بباحاتها من انكسارات و انتصارات، إلا أن الناظر لهذا
التاريخ ليجد نفسه محاطا بأسئلة مؤرقة تتساقط تترى على ذهنه: ما هو واقع العمل
التلمذي ؟ و ما مستقبل العمل الدعوي عموما داخل المجتمع التلمذي ؟
1/ واقع العمل التلمذي :
يغدو ظاهرا للعيان أن العمل التملذي اليوم ينحت في جبال
من الصخر كون التحديات التي تواجهه في الساحة. و ذلك ما يتطلب التركيز على مواكبة
مستجدات الساحة التلمذية من أجل فهم دقيق و إدراك جيد للواقع بكل أبعاده حتى نتمكن
من تشخيص المرض و معرفة الداء للعثور على الوصفة الناجعة. فالظواهر المتفشية داخل
الساحة التلمذية تعيد طرح سؤال: ما موقع العمل التلمذي داخل الساحة التملذية ؟ و
هل نتائجه مرئية أم أنه يسبح في الهواء ؟
الملاحظ أننا لم نستوعب بعد واقع الساحة التلمذية
فخطابنا و عملنا بعيدان كل البعد عن الواقع و بذلك يجب أن تخضع خطاباتنا و منهجنا إلى
"مبدأ الواقع". علي سبيل
المثال: كيف ننظر إلى ظاهرة الغش ؟ و كيف نتعامل معها بغية اجتثاتها بين أوساط
التلاميذ؟
إننا مازلنا ننظر إلى الظواهر المتفشية بين أوساط
التلاميذ نظرة متعالية عن الواقع و نقدم لها حلولا غير منهجية لحد ما. و أظن أن
الذي جعل فكرنا يفتقر إلى تجديد فكري ناضج ذي معالجات تفصيلية محددة للمشكلات
الواقعية راجع بالأساس إلى عدم الوعي بطبيعة التحدي داخل الساحة التلمذية باعتباره
يكتسي طابعا "أخلاقي". و بالتالي قلصنا رقعة نظرنا و حاصرناها في زاوية
واحدة، بيد أن التحدي في عمقه هو "تحد فكري". و للتفصيل في هذا نأخذ [ظاهرة الغش] كمثال بسيط
لمشكلة نخرت جسد المؤسسة التعليمية، و كل تلميذ إلا و له قصة مع هذه الظاهرة
"الفيروسية"، إما كضحية لها أو كمحترف لهذه المهنة. ففي حواري مع احد
التلاميذ المحترفين لها سألته عن إحساسه و هو يغش ؟ و لماذا يلجأ الى الغش ؟ و هل يستحق تلك النقطة الذي حصل عليها ؟ و كان جوابه في صميم ملاحظتنا حيث أجابني كرد
على أسئلتي :
- إذا كنت لم تنم حتى منتصف الليل و أنت تراجع و تعد للفرض، فأنا لم أنم حتى الواحدة فجرا أقوم بكتابة الدروس في أوراق صغيرة _ التصغير _ (يشير الي
تعبه و آخذه بالأسباب ) . و أن الله لو
كان غير راض عني ما كان ليوفقني في الغش بل كان سيفضح أمري أمام الاستاذ و لكنه لم
يفعل ( السكوت علامة الرضى )، و النقطة في الفرض مهمة و بذلك فالحصول عليها أهم
بأية وسيلة من أجل النجاح لا غير. لان هدفي نبيل. و الغش هو التاجر الذي يبيع
بضاعة مغشوشة او يخسر الميزان .
مع العلم بأن هذا التلميذ الذي دخلت معه في هذا الحوار
تلميذ يشهد له كل التلاميذ بأنه شخص محترم، لا يكذب، يتعفف في أن يشتم أحدا من
التلاميذ، فأين المشكل إذن عند هذا التلميذ ؟ الجميع يشهد له بالحد الأدنى من الأخلاق، فلماذا يغش ؟
أعتقد بأن
جواب هذا التلميذ أكثر تفصيلا فهذه شهادة من تلميذ "يحترف" ظاهر الغش و
كيف ينظر إليها باعتبارها وسيلة لغاية نبيلة و هي النجاح. و هذا ما لا يعطي مجالا
للشك القول بأن التحدي الحقيقي داخل الساحة التلمذية هو "تحد فكري" لأن الأسس
الفكرية التي تهيكل عقل هذا التلميذ هي غربية؛ المذهب الميكيافيلي [ الغاية تبرر
الوسيلة ] فهذه الفكرة تغلغلت في وجدان هذا التلميذ، و إمتلكت كيانه النفسي و
العقلي و بذلك فهو عندما يغش يستشعر لنفسه نوعا من المبررات و المفاهيم المغلوطة
التي أحدثت خلخلة في نظام السلوك عنده. و لا علاج لهذا "التصحر الفكري"
الا بتبديل نظام التفكير السائد. لأن اغتراب سلوك التلميذ و كذلك أذواقه كان
نتيجة إغترابه العقلي و الفكري و هذا راجع إلى رواسب "الغزو الفكري"
الذي تجاوزت أثاره الجانب المعرفي كي تصل إلي الجانب السلوكي الثقافي. فهل يمكن
للحملات التحسيسية عن ظاهرة الغش أن تحد من انتشارها في أوساط التلاميذ بالاعتماد
على بعض الأحاديث النبوية بدل السعي نحو تحطيم الأسس الفكرية لعقل التلميذ و إعادة
ترميم فكره وفق مقاربة تنظر الى المشكلة كونها "فكرية" ؟
ومن هنا نخلص إلى القول : إن الحملات التحسيسية تولد
حماسا لكنها لا تولد وعيا و بذلك فان علاج واقع العمل التملذي داخل الساحة
التلمذية لابد أن يضع علاج ثقافة و فكر التلميذ في موقع الأولويات و نصب عينيه،
لان التلميذ عندما يؤمن بفكرة ما لابد من أن تصدر في سلوكه كردود "فعل
ميكانيكية"، و كما يقول العلماء "لا يستقيم سلوك الإنسان إلا إذا صلح
اعتقاده". فهناك علاقة بين الاعتقاد و السلوك؛ فالتلميذ عندما يغش فان سلوكه
هذا المتجلي في "الغش" ما هو إلا انعكاس لفكره و ثقافته، و ذلك لان
الاعتقاد الذي يسكن عقلية الإنسان و شعوره يحدد له رؤية معينة إلي نظام القيم و
يحدد له المفاهيم "الحرام" و "المباح"... إذن حينما تتناقض
الاعتقادات بالتالي تتناقض الرؤية إلي نظام القيم و تختل مفاهيم
"المباح" و "الحرام" و من ثم يختل نظام السلوك. [ مشكلة الثقافة في الوطن الإسلامي : الطيب بوعزة]
إننا اليوم إذن في مسيس الحاجة إلي إدراك "مبدأ الواقع" و
استحضاره في منهجية اشتغالنا داخل الساحة التلمذية حتى نقدر على التغيير، لا أن
نصوغ أفكارنا و تحليلاتنا بعيدا عن المجتمع التملذي و كأن هذه الأفكار ولدت في أجواز
الفضاء، و بين تلافيف السحب لا علاقة لها بالواقع التلمذي، فأية محاولة إصلاحية لا
تأخذ على عاتقها إصلاح ثقافة التلميذ فلن تنجح. و الشرط الثاني و الأساسي للتغيير
هو الوعي بطبيعة التحدي. فالجاهل لطبيعة التحدي داخل الساحة التلمذية لا يمكن له أن
يغير، خلافا للعارف الذي استوعب طبيعة التحدي و سبر أغوار الواقع التلمذي فهو يفتح
باب الإبداع و التغيير الحقيقي الناضج و المنشود .
إن تشخيص واقع العمل التلمذي و محاولة تجديد منهج
اشتغاله داخل الساحة التلمذية ذو أهمية بالغة راجعة الى واقع المدرسة المغربية و
التلميذ المغربي، فعلاج أزمة المدرسة المغربية و رفعها من وهدتها و إخراج التلميذ
من دائرة الانسلاخ الحضاري و الاستلاب الثقافي مقدمة ضرورية لعلاج أزمة نهضة وطننا
الحبيب. كون المدرسة المغربية هي من تربي الأجيال القادمة و مواطن الغد الذي
سيدافع عن حمى الوطن و ثغوره. و بذلك لا يجب الانزلاق في مطب {الرؤية الأحادية}
التي ترى العمل الطلابي و إصلاح الجامعة من أولى الأولويات يل يجب أن تكون عندنا
{رؤية شمولية} لنهضة مجتمعنا بكل مؤسساته. لكن هذا لا يمنعنا من الاعتقاد بان إصلاح
المدرسة المغربية يِؤدي إلى إصلاح الجامعة كذلك دون السقوط في النظرة الأحادية، و
ذلك بسبب من طبيعة المدرسة المغربية؛ إن هذا التلميذ هو طالب الغد، فإذا كانت
المدرسة تخرج تلاميذ نجباء غيورين على وطنهم و أمتهم و يعتزون بهويتهم و شخصيتهم
الحضارية بكل أبعادها فهذا إصلاح للجامعة في أحد جوانبها، فهل تتخيل تلميذ متشبع
بهذه القيم أن يفكر في العنف و الإجرام كوسيلة للحوار مع الآخر؟ هذه اذن قراءة
لواقع العمل التلمذي لتوجيه الرؤية، و توصلنا إلى ضرورة إيجاد تصور جديد بمقتضى ما
يفرضه "مبدأ الواقع". فالتلاميذ اليوم لا يشغلهم شي ما عدا تحت الحزام
و ما دون السقف المادي أما غير ذلك فانهم يعتبرون التفكير نوعا من الهم و إذا
حملهم أحد على التفكير المجرد البسيط عن طريق الاسئلة في قضايا جد حرجة فإنهم
سرعان ما يحسون بنوع من الصداع في رؤوسهم لانهم يجدون انفسهم يمارسون تصرفات
يعجزون أحيانا عن فهمها و عن معرفة معناها ؟ و من هنا فالهاجس الذي يتخلل هذه السطور هو ان الساحة التلمذية تعيش تحولات
و تطورات فكرية و العمل التلمذي يحاول مواكبتها كمحاولة اولية للتغيير المنشود . و
يبقى السؤال المحير هو: ما الدور المطلوب اذن ؟ و ما طوق النجاة لهذا النكوص
النضالي داخل الساحة التملذية؟ من البداهة القول
بان طوق النجاة هو قيام ثورة فكرية ثقافية، و ليس من دونه بداهة القول الاخر، هو
ان هذه الثورة الثقافية تتمثل في إنشاء حركة تلمذية فكرية تعني بمواكبة المستجدات
على الساحة، لكن الذي يقل عنهما بداهة هو ان يقال ان هذه الحركة التلمذية الفكرية
ليست تنظيم له مؤسساته و هياكله الادارية بقدر ما هو كيان يجمع صوت التلاميذ
الغيورين على مستقبل المدرسة المغربية. و لسنا نريد هنا إرساء تعريف عميق لهذ
الحركة التلمذية و يكفي ان نعرفها بكيفية تقريبية و القول بانها تحاول ان تعكس
واقع الساحة التلمذية و التلميذ المغربي و تحاول ان تفهمها و تفسرهما، و هي اذ
تتجاوز هذا الواقع و تحاول ان تغيره بتقديم "واقع" بديل لكن من نسيج
واقعي غير مثالي بطرق اكثر واقعية و اكقر عملية، فاليوم بجب ان يرتبط الفكر بالعمل
و النظرية بالممارسة .
و على
الجملة، فان مواجهة الواقع تقوم على قواعد تقديم البديل و هذا دور هذه الحركة
التلمذية، لكن لابد لهذه الحركة ان تقودها {صفوة} من التلاميذ تحمل و تتشبع بهذه
الافكار .
v
الدور
القيادي للصفوة او {الطليعة} : (( لا نهضة شاملة بدون صفوة عالمة و شبيبة عاملة ))
إن افكارنا لا تتحول الى قوى فعالة في الساحة التلمذية الا بواسطة
"صفوة" من التلاميذ المولعين بالتغيير و احداث صحوة فكرية في المجتمع
التلمذي، و الذين يعملون على تحرير فكر و ثقافة التلميذ المغربي من سيطرة الافكار
البالية و الارتقاء بفكره الى مستوى اعلى و نحو
بناء نهضة راشدة. فدور هذه "الصفوة" هو القيام بتغيير تدريجي في
عقلية التلميذ المغربي من خلال فعل الحفر و التنقيب في عقله انطلاقا من النقاش
لكشف عيوب فكره،و دور النقاش كوسيلة للتغيير يتجلى في انه يسمح بجعل المفاهيم
الفكرية التقليدية لفكر التلميذ تحت المدماك النقدي و بذلك تحاول تصحيحها.
بيد أن الامر الذي يجب على هذه "الصفوة" من
التلاميذ ان تنتبه اليه هو تخطي تلك النظرة المتعالية التي تجعل التلميذ الرسالي
– الذي سميناه الحضاري – في معزل عن واقعه فيكون في برج عاجي فيقطع صلته بمجتمعه التلمذي
كليا فتجده مغتربا عن حاضره و واقعه. و لذا تظل عملية التغيير شبه مستحيلة بل في
اضغاث احلام لا غير. فمن الواجب على هذه "الصفوة" انتشال هذا الاغتراب و
ان تعيش في قلب واقعها كي تقدر على قراءة مشكلات الحاضر و التعامل مع الواقع
لتلبية حاجياته. و هكذا نكون قد توصلنا إلى ان هذه "الصفوة" يجب أن
تتميز بسمات ضرورية نذكر منها – لا على سبيل الحصر - :
·
ان
تكون ذات نظرة واقعية الى الامور في تفكيرها و سلوكها، يجب ان تفهم واقعها دقيقا و
أن تتقيد بما هو موجود فهي تعمل و تفكر في اطار الممكن و في دائرة ما هو كائن و
بذلك تكون فاعلة في محيطها داخل اسوار المجتمع التلمذي ـ
·
يجب
الا تكون أسيرة الواقع، فيجب النظر الى الغد و التنظير له، و لمستقبل التلميذ
المغربي و المدرسة المغربية ـ
·
يجب
إعطاء صورة طبق الاصل عن الواقع – اي المجتمع التلمذي - ـ
·
عدم
التطبيع مع الافكار البالية و أنماط الثقافة المتفشية بين اوساط التلاميذ يل السعي
نحو تصحيحها و دخل واقعيتها، مثل { ديها في قرايتك، أشبغيتي المشاكل } [ كتاب هموم تلميذ : أيوب
بوغضن ]
قبل بسط الكلام في هذا الشأن، يجدر بنا أن نذكر أن كل
حركة تستهدف تغيير مجتمعها يجب أن تدرك بكل وعي الدائرة المغناطيسية التي لا يجب
الخروج منها، و التي تحقق إمكانية الاقتراب من المجتمع و جذبه و التأثير فيه. ذلك
لانه لابد لقطعة من المغناطيس كي تجذب قطعة اخرى أن تكون على مسافة قريبة منها و
كذلك للحركة التي تريد تغيير مجتمعها من ان تكون قريبة منه، و لكي يغير افراد هذه
الحركة مجتمعهم يجب ان ينفذوا الى داخله لا ان يقبعوا على عتبته ـ ـ ـ و الذي لا
يعيش داخل المتجمع يستحيل ان يطور تفكيره لمعالجة قضاياه ـ (6) و بهذا يبقى السؤال الذي يحتاج الي اجابة موضوعية هو كيف نربي هذه {الصفوة} او الطليعة التي ستحمل مشعل
التغيير؟ إذا كانت {الصفوة} هي من ستنتقل بنا من المعرفة النظرية الى الممارسة
العملية فلا بد من وضع برنامج خاص لها و رؤية واضحة من اجل تكوينها فكريا، تربويا
و اخلاقيا. و هذا التكوين يقضي ببناء عقل هذه الطليعة و تسليحه بالوعي في الفكر و
الثقافة. لان هذه الطليعة هي من سوف يثور على "الواقعية العقلانية" التي
هي الواقعية الساذجة السائدة عند عامة التلاميذ. و هكذا، يتضح أن هذه الطليعة من
شأنها ان تخترق بتفكيرها تلك الأطر الاجتماعية و الافكار المغلوطة و إماطة اللثام
على بعض الظواهر المتفشية بين اوساط التلاميذ. و أعتقد بأن بداية البناء و تكوين
هذه الصفوة له بعدين:
أ-
تكوين تربوي ايماني : و هذا التكوين يكون بالاستقاء من القران و السنة حتى
تتشرب معاني الدين و تعاليمه و الاعتزاز بشخصيتها الحضارية بكل ابعادها، و يمكن
الاعتماد على اربعة مراجع – لا على سبيل الحصر- : القران الكريم، السنة النبوية و
قصص الانبياء و الرسل .
فالاعتماد
على المنهج القراني في التربية له دور كبير في ارساء العقيدة في نفوس هذه
"الصفوة" و تذكرهم بالرسالة الحضارية التي نحملها [ و
كذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا]ـ أما دور قصص الانبياء و الرسل فتتجلى في أخذ
العبر و المواقف و الاقتداء بها و جعلها "أنموذج" .
ب- تكوين فكري ثقافي: إن الاعتقاد بان هذه الصفوة قادرة على القيام بدورها دون تسلح بوعي فكري و
حصانة ثقافية فهذا ضرب في الخيال، فلابد لهذه الصفوة من تكوين فكري يكسبها ملكة
النقد و حس التحليل، لمجابهة التصحر الفكري الذي تشهده المدرسة المغربية و التلميذ
المغربي ـ
و للتأكيد على دور
الطليعة في القيام بالتغيير كونها وقود أية حركة تغيرية في التاريخ، نأخذ على سبيل
المثال نماذج دعوية تاريخية و هي : - نبي الله عيسى الذي أنشأ
صفوة او "طليعة" من تلامذته و هم " الحواريون"، و قد رباهم
على فكر رباني و سلحهم بتعبئة فكرية للتمرد على واقعهم لما كان متفشيا فيه أنذاك
من ظلم و استبداد من طرف الروم . [يا أيها الذين آمنوا كونوا
أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن
أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم
فأصبحوا ظاهرين] سورة الصف:14
– محمد صلى الله عليه و سلم الذي بدأ من دار الارقم بن
الارقم لإنشاء طليعة من الصحابة سيحملون مشعل الرسالة التغييرية التي جاء بها
الرسول، و قد استغرق تكوين هذه الطليعة 13 عاما ففي العصر المكي ركز الرسول صلى
الله عليه و سلم على بناء الانسان... و بناء الصفوة العالمة – الصحابة- فقد مثل
الصحابة الكبار كأبي بكر و عمر و علي و ابن عباس و غيرهم رضوان الله عليهم الجيل
الاول من "المثقف الاستراتيجي" الإسلامي و الخميرة الاولى للصفوة
المثقفة الاسلامية العالمة و العاملة.[ في نظرية الإصلاح الثقافي مدخل لدراسة عوامل
الإنحطاط و بواعث النهضة : محمد يتيم .]
3/ عبد الله
بها : نموذج للتلميذ الحضاري
* " أنت رجل من عهد الصحابة تأخر بك الزمان بيننا
"
ان تجربة عبد الله بها في مجال الدعوة خاصة في حياته
التلمذية لجديرة بالاهتمام، لما فيها من مواقف و نظرات يحتذى بها اليوم من اجل
الدفع بالعمل التلمذي نحو الامام. 1- النشأة : ولد
عبد الله بجماعة "الأخصاص"1954 بقبيلة ايد شاعود نواحي الأخصاص بسوس حيث قضى بها أربع سنوات ثم
إنتقل بعد ذلك إلى جماعة "إفران الأطلس الصغير". و كان يتردد على المسجد
في العطل، ففضل والده أن يخرج من المدرسة و التفرغ لدراسة و حفظ القران الكريم في
الكتاب. و كانت السلطات عقب الاستقلال تحرص على تعميم التعليم و إجباريته، و يذكر
الراحل بها أن قائد القرية إستدعى مجموعة من التلاميذ و دعاهم إلى ضرورة الرجوع
إلى المدرسة، فاستجاب التلاميذ و بقي عبد الله بها وحده في الكتاب. حتى تم استدعاء
والده من طرف الحاكم المفوض الذي أصر على ضرورة الدخول إلى المدرسة النظامية .
ب"فرعية أغبالو العين" و بعد ذلك انتقل إلى "بيزكارن" بعد أن
حصل على منحة دراسية و بدأ مسارا جديدا في ثانوية "محمد الشيخ" مقيما في
قسمها الداخلي ، و قضي بها سلك الاعدادي ( 4 سنوات) ثم التحق بثانوية "عبد الله ياسين" بإنزكان بعد أن
إختار الشعبة العلمية ... ، وحصل على شهادة الباكالوريا في العلوم الرياضية
سنة 1975 بثانوية "يوسف بن تاشفين"
بأكادير.بعد ذلك تابع تكوينه
العالي "بمعهد الحسن الثاني للزراعة
والبيطرة"
، حصل بعدها على دبلوم مهندس تطبيق في التكنولوجيا الغذائية سنة 1979. و قد تقلد
مناصب سياسية عديدة و توفي في 7 ديسمبر 2014 إثر
حادثة قطار. [ كتاب: عبد الله بها تاريخ و مسار ]
2-
المرحلة التلمذية للراحل عبد بها :
إن
ما يشدنا للاهتمام بهذا الجزء من حياة الفقيد بها هو ما تحمله من معاني و أفكار
تتوافق مع ذهبنا إليه في هذه الاسطر. إذ
يذكر في أحد حواراته مع جريدة التجديد أنه : "في السنة (الموسم الدراسي 71/72) تعرف على
الأخ سعد الدين العثماني و كان يدرس معه في نفس القسم بثانوية "عبد الله
ياسين" بإنزكان... و بدأنا في هذه المرحلة مع مجموعة من الشباب نبلور فكرة التعاون على التدين ، فكنا نجتمع أنا و
سعد الدين و عبد السلام الاحمر و إبراهبم شابا و غيرهم في مسجد الثانوية و نقوم
ببعض الدروس و نقرأ القرآن ... تطور العمل بالنسبة لنا و فكرنا أنا و سعد الدين
العثماني أن نؤسس جمعية [ الشبان المسلمين ] و ذلك في الموسم 72/73 . "
لا
شك أن أول درس نستشفه هو الصفوة أو {الطليعة} التي أسسها عبد الله بها و التي
تكونت من ثلة من التلاميذ كان هو و سعد الدين من يقودهم و يوجهونهم . حيث أدرك أن
لا تغيير دون صفوة تثور على الواقع المعيش
و تسعى لبناء الواقع المنشود . و يواصل حديثه : " في أواخر 1973 انتقلت إلى
ثانوية "يوسف بن تاشفين" بأكادير و كان معي سعد الدين في نفس القسم
أيضا، و لما دخلنا إلى مسجد الثانوية وجدناه مهجورا فأحييناه . و سعينا إلى جلب
الحصائر له و قد لقينا معارضة من طرف بعض الطلبة و لكننا نجحنا في مبادرتنا
لإحيائه. و تكونت مجموعة من التلاميذ متعاونة في هذا
إن
عملية التنقيب في ذاكرة نضال عبد الله بها ليس الغرض منها جرد الاحداث و كتابتها ،
انما الاستفادة منها و جعلها معالم في طريق العمل التلمذي، كما أن تاريخ عبد الله
الدعوي لا يمكن حصره داخل اسوار العمل التلمذي فتجربته في الحرم الجامعي جديرة
بالاهتمام و نضاله بمعهد الحسن الثاني للزراعة و البيطرة مع اليسار خير نموذج حيث
أنه حيثما حل بها و الا و له قصه مع المسجد .
لن نحصي في خاتمة هذه السطور أمهات الافكار التي تضمنتها،
و حسبنا هنا التذكير بأن إدارك أهمية الواقع و استحضاره كركن أساسي في معادلة
التفكير عن مستقبل الساحة التلمذية و التلميذ المغربي أمر لا محالة منه. و إن
اللحظة التدشينية و الشرط الحياتي للانطلاق حراك ثقافي فكري تلمذي هو فتح باب
الاستفهام من جديد في وجه التلميذ و إعادة طرح سؤال الهوية و الانتماء، عندها فقط
سنرمق باحات المؤسسة تكتظ بالانشطة و تدب الحركة في جسم المدرسة المغربية و هذا لا
يكون الا عند الاعتزاز بالهوية فالتلميذ المغربي مطالب بفتح باب التساؤل من جديد:
من أنا ؟ و ما موقعي في هذه الحياة ؟ ما هي الاسس الثقافية التي تهيكل عقلي ؟ ...
أنذاك فقط سيؤذن لبزوغ فجر النضال و النقاش الفكري داخل الساحة التلمذية .
تعليقات
إرسال تعليق