المُجتَمع التّلمذِي : واقِع و آفـــــــــــــاقٌ
ليس من قبيل المبالغة
القول بأن المرء يهيب أن يكتب عن التلميذ ، فالمشكلة في هذه الحالة لا تتعلق
بصعوبة الكتابة و صياغة المقال . و إنما تتعلق بغياب الوعي بواقع الساحة التلمذية و
مأساة التلميذ المغربي أو -بصياغة افضل- عن مضمون المقال . بل يمكن القول
أنه نادر جدا من يكتب عن التلميذ و عن مجتمعه
داخل أسوار المؤسسة . و لذلك لا ينبغي أن يؤاخذنا القارئ في جعل صلب
مواضيعنا بل و جلها لها علاقة بالتمليذ محاولين سد الثغرة و ملأ الفراغ لحمل هم
التمليذ المغربي ، من خلال مواكبة تحولات واقعه التلمذي . و من هنا
يحق لنا أن نتساءل : ما هو واقع التلميذ
المغربي ؟ و ما موضع الحركة
الإسلامية في خضم هذه التحولات ؟ و ماذا عن أهمية هذا الإهتمام الحثيث بالساحة
التلمذية ؟
إن الجتمع التلمذي
ليس بمكانة أدنى من المجتمع الطلابي . فإذا كان العمل الطلابي مهم فإن العمل
التلمذي و الإهتمام بواقع الساحة التلمذية أهم بكثير، لأن هذا التلميذ هو
طالب الغذ، و بالتالي يجب تكوينه و تأهيله فكريا و معرفيا إبتداءا من حياته التلمذية كي يكون في
قلب الحدث داخل الحياة الجامعية .
فالتلميذ "
البدائي" الذي تميعت شخصيته و صار أسير غرائزه و لا يعلو فكره عن ما سواها،
لن يكون بأحسن حال في الجامعة ، إنما سيستمر على المنوال نفسه و سيكون صورة طبقة نسخته الاولى أي طالب " بدائي" . و ربما يكون للجو
الجامعي و ما يوجد داخله من ميوعة و إنحلال أخلاقي و فكري مؤثرا في صياغة شخصيته . و
لكن عندما توجه التلميذ طيلة فترته الابتدائية و الاعدادية و الثانوية، فإنه يكون
مؤهلا للتكيف و الإنسجام مع مناخ الجامعة . ليكون في الموضع الصحيح و داخل التنظيم
المناسب، و ألا يكون فريسة للتنظيمات الأخرى داخل الحرم الجامعي . يعني أن
هذا التلميذ ستكون لديه فكرة مسبقة عن مختلف الفصائل التنظيمية داخل الساحة
الجامعية، مما يسهل عليه معرفة الخلفية الفكرية لكل تنظيم و فصيل . و هذا ما
سيجعله ينضم إلى الفصيل الوسطي الذي يتبنى مرجعية اسلامية ، و يحمل أفكار معتدلة ،
و رؤية تجديدية و روحا خلاقة .
و إني لأرى الدليل في
نفسي ؛ فمنذ أن كنت في السنة الثانية اعدادي و أنا أعرف طبيعة الحرم الجامعي و
مختلف مكوناته و فصائله، و أعلم علم اليقين إيديولوجية كل فصيل من خلال إحتكاكي بالطلابة ذوي تجربة في
الميدان داخل الساحة الجامعية .
بل إن إصلاح الساحة
التلمذية في جوهرها يعد في الوقت تفسه إصلاح للساحة الجامعية ، لإن ذاك
التلميذ الذي وكبته طيلة إثنتي عشرة سنة و أكمل تكوينه على جميع المستويات: الفكري،
الأخلاقي و الإيماني. ستكون مطمئن البال عنه خلال ولوجه الحرم الجامعي،
و من هنا تأتي أهمية الإنكباب على العمل التلمذي و الحرص على مواكبة تحولات الساحة
التلمذية .
2/
تاريخ الحركة الاسلامية داخل الساحة التلمذية :
ليس الغرض في هذه
الفقرة الحديث عن تاريخ و إرهاصات ظهور
العمل الاسلامي داخل المجتع التلمذي . فليس هذا هدف بحثنا، و إنما نحن بصدد تحليل موضوعي للأداء الحركة الاسلامية طيلة
فترة إشتغالها داخل الميدان بالساحة التلمذية . فالمؤرخ لا يقف عند دراسة
الأحداث و الوقائع التاريخية فقط، إنما يتجاوز
ذلك بتحليلها و فهم ما وراء السطور ، محاولا بذلك التنبؤ بالمستقبل.
و المتتبع لعمل
الحركة الاسلامية يستشف أن الساحة التلمذية كانت معقل العمل الاسلامي في بدايته، فقد شهد المجتمع التلمذي معركة محتدمة بين الإسلاميين و اليسار، و كان عدو التلميذ
أنذاك هو "الالحاد". فظلت الحركة الاسلامية تواجهه وجها
لوجه، من خلال مناظرات و نقاشات و منشورات بين أوساط التلاميذ، فكانت منهجية الاشتغال واضحة و كما كان الهدف واضحا و هو إجتثات النزعة الالحادية في
عقول التلاميذ . إلا أن بعد سقوط الشيوعية و بداية تراجع مدها في المنطقة
دخلت الحركة الاسلامية طورا جديد في تحدياتها داخل الساحة التلمذية . فيا
ترى ما هو عدو التلميذ الان ؟
سؤال طالما شغل حيزا
في عقولنا طيلة فترة إشتغالنا داخل الساحة التلمذية ؛ فهو عسير الجواب ،لأن الإجابة عنه
تقتضي تحليلا عميقا للمجتمع التلمذي و فهم منطقي لواقعه . و من هنا تعثرت
الحركة الاسلامية ؛ فهي ما تزال تعمل داخل الساحة التلمذية لكن ليس بمواكبة
تحولاتها. فمنذ طورها الجديد داخل الميدان و هي تحاول دراسة مشاكل التلميذ
بغية حلها من أجل تحقيق نهضة راشدة و صحوة خالدة . فهي تعالج الجهل هنا، و الإنحلال
الأخلاقي هناك ، كما تسعى لمحاربة غياب العفة و تفشي الغش، غير ان ذلك كله غير
قائم على دراسة "منهجية" للمرض و للمشكلة . فالحركة الاسلامية لم
تقم بعد بدراسة مرضية للمجتمع التلمذي. فظنت أن المرض هو
"خُلُقِي" فظلت طوال هذه الفترة من الزمن تعالج أعراض المرض لا المرض في
أصله .
فالمرض ليس "خُلقيا" في الأساس و إنما هو "فكري" بالدرجة
الأولى.
3/
واقع المجتمع التلمذي و افاق المرحلة المقبلة :
من سنن الله في كونه
و خلقه أنه عندما تغرب الفكرة يبزغ الصنم [ مالك بن نبي : كتاب "شروط النهضة" ] . هذا واقع المجتمع التلمذي، فبعد غياب و إنعدام فكرة تحرك التلميذ و تحوله
من حالة جمود الى حالة حركة، و من ثقافة
الإستهلاك إل ثقافة الإنتاج ، و تزعزع فكره و تجعل منه عضوا فاعلا داخل مجتمعه ، بزغ
الصنم ، صنم تنميط العقل، فكر التلميذ ،صنم المهيجات الشهوانية ،صنم كرة القدم ، صنم
الوظيفة و صنم الحياة ... فالتلميذ الموجود الأن داخل الساحة التلمذية هو
ذاك التلميذ "البدائي" الذي وقع
تحت سلطان ما يوجد في النصف السفلي من جسده ؛ فهو يتصرف في حياته مدفوعا بالقوانين
السفلية الموروثة عن النظام الحيواني [مالك بن نبي : "شروط النهضة"] . و بالتالي لابد من بزوغ فكرة
جديدة تحل مكان هذه الأصنام ، فكرة تكون معول هدمها و تسويتها بالارض كما
فعل نبي الله ابراهيم . و لا عجب في ذلك فالإسلام في أصله فكرة وقفت في وجه
الصنم و الوثن ؛ فهو ثورة تحريرية حرر الفكر و الروح. حرر فكر
الإنسان من الوهم و الأسطورة و الروح من التروي و الانحطاط.[ سيد قطب : "نحو مجتمع إسلامي"] .
و الحل هنا إذن هو أن
يبزغ فجر الفكرة داخل المجتمع التلمذي . لكن شريطة أن تمتاز هذه الفكرة بخاصيتين إثنتين :
1- أن تتوافق مع ما
ذكرناه أنفا من أن طبيعة المشكل في الساحة التلمذية "فكري". و بالتالي يجيب
أن يكون هناك بعث فكري و ثقافي داخل المجتمع التلمذي من خلال حركة ثقافية تعمل على
نشر الوعي و خلق "ثورة
ثقافية" في صفوف التلاميذ .
2- أن يكون لهذه
الفكرة هدف الإسلام نفسه ، و هو أن تسعى
الى تحرير التلميذ، و أن ترفع من همته و
فكره بتحطيم كل الأصنام الأخرى .
و أمام هذه المعطى
الواقعي لطبيعة مناخ الساحة التلمذية . فلا شك أن القارئ ليتسأل في ذهنه :
ما السبيل إلى إنشاء حركة ثقافية ترنو إلى
بعث فكري و ثورة
ثقافية داخل المجتمع التلمذي ؟
و الإجابة الموضوعية
تقتضي توفر مواد خام أولية ضرورية لا غنى عنها و هي : التلميذ و الوقت
و العمران. لأن هذه الحركة الثقافية ما هي
في جوهرها سوى ناتج حضاري يوحي بوجود
مستوى فكري معين في وسط شريحية من شرائح المجتمع و هي "التلاميذ" .
لكن
ثمة عنصر أهم من العناصر الثلاثة السابقة
بكثير، و يتمثل في صاحب الدور الريادي في صياغة بل و حل هذه الصيغة الحضارية . فنحن نحناج إلى مركب يجمع بين العناصر الأولى _
التلميذو الزمن و العمران _ للحصول على حركة ثقافية ، و هو ما يمكن أن نطلق عليه
"المبدأ الروحي".
و من هنا يقف القارئ مشتت الذهن عن دور هذا
"المبدأ الروحي" في إنتاج حراك
ثقافي تلمذي ؟ و عن أهمية العناصر الثلاثة : -التلميذ و الزمن و العمران -
في انجاح هذا الحراك ؟
*دور
"المبدأ الروحي" :
كما
أسلفنا الذكر فإن لهذا المبدأ دور هام في صياغة حراك ثقافي تلمذي داخل الساحة التلمذية . لأن هذا
"المبدأ الروحي" هو الذي يتحكم في سلوك التلميذ داخل أسوار المؤسسة و
خارجها، و علاة على ذلك فهو من ينظم غرائزه و يخضعها وفق "عملية شرطية" تهدف إلى تنظيم
الغرائز حتى لا يكون أسيرا لها.
و
في هذه الحالة يتحرر التلميذ جزئيا من قانون الطبيعة الذي جبل في جسده ، و بذلك
يكون فكر التلميذ في ما هو فوق الحزام لا
في ما تحته .
و
من تجليات هذا المبدأ هو تذكير التلميذ بدوره الحضاري ، و بهويتة الروحية لا
بالطينية فحسب كما يفعل الإشهار . أن نزرع في نفس هذا التلميذ الهمة
و الحماسة و ذلك بربطه مع جيل الصحابة الكرام ، مثل عمار بن ياسر و هو يحمل
حجرين على كاهله في بناء المسجد و بغيره من صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم .
"إن
المبدأ الررحي" هو ما يخلق في قلب التلميذ غاية سامية و هدف واعد. و هو إحساسه
بعظم الأمانة التي يحملها و تلك الرسالة الحضارية التي يجب أن يبلغها [ و كذلك
جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا ] ، من هنا
يبدأ فكر التلميذ في الترفع و يبدأ في التفكير الجاد في وطنه و أمته. و بالتالي يبدأ إحساس التلميذ بألم و أنين المسجد الاقصى الأسير و يشرع في
إعتناق قضايا أمته .
و
زبدة القول إن هذا المبدأ هو الذي يبني لنا لنا ذلك التلميذ الوعي الحامل لهم أمته،
و هو التلميذ "الحضاري" بدل التلميذ "البدائي" .
* العنصر الاول :
"التلميذ"
نرى التلميذ المغربي اليوم، ذكرا و أنثى ، يسير
متطورا في لباسه و فكره و سلوكه، و نقف متسائلين و مستغربين : إلى أية وجهة يسير
هذا التلميذ ؟!
من
بين المشاكل التي تعاني منها الساحة التلمذية ؛ مشكلة "الركود"و
العزوف عن الحركة،
فقد أصبح عندنا التلميذ في حالة خمول
فهو لا يبالي بالتقدم الذي تحققه الأمم الأخرى كأنه منفصل عن الواقع المعيش .
لا يحس بغيرة على نفسه أو على وطنه و أمته . لم يفكر يوما في أن ينافس الدول
المتقدمة . رضي بالذل و هو يرى الغرب يشق عنان السماء يتقدمه الإقتصادي و
التكنولوجي و السياسي ... تلميذ رضي بالإستهلاك من منتوجات الأخر و لا يفكر
في الإنتاج و تقديم البديل . تلميذ أصيب ب"كساح عقلي" و
"شلل فكري" لا يهمه شئ سوى ألهته الثلاثة و هي :
-
إله الجسد ( الغيريزة) .
-
إله المعدة .
-
إله الدرهم .
.
بخلاصة هو ذاك النوع الذي سميناه بالتلميذ "البدائي" .
و
بما أن هذه المشكلة هي مشكلة التلميذ في ذاته، فيجب تكوين تلميذ ذو هدف و غاية . تلميذ يهدف إلى
صحوة إسلامية و إلى حضارة راشدة . و هنا تتجلى مكانة "المبدأ الروحي" و
علاقته بالعنصر الأول – التلميذ – في جعله روحا محركا للصحوة لا عثرة في طريقها، و
لتحقيق ذلك يجب رفع همة التلميذ المغربي إلى ما وراء أفق الأرض و ربطه بالسماء كي
تسمو روحه و يرتقي فكره .
*
العنصر
الثاني : "الوقت"
ما
يوجد في دنيا المسلمين من إضاعة للاوقات و تبذير للأعمار جاوز حد السفه إلى العتَه
حتى غذوا في ذيل القافلة [د.يوسف القرضاوي : "الوقت في حياة المسلم" ] ، هذه من بين مشكلات العالم العربي الإسلامي . قل من يعرف بقيمة الوقت فينا و
بالأخص التلاميذ . و لذلك يجب على التلميذ أن يعود نفسه على وضع برنامج
يومي له ينظم فيه مختلف فقراته و هواياته، لكي يتعلم معنى الوقت و قيمته حتى
يستغله على أتم وجه . فلو أن كل تلميذ يخصص نصف ساعة يوميا لقراءة كتاب أو
رواية لكان هذا أفضل بكثير مما نجد في واقعنا . بل سيجد كل تلميذ نفسه يتوفر
على "محصول عقلي،فكري" مهم .
لو
أن التلميذ المغربي تشبع بهذه المعاني و عرف قيمة الوقت فإنه أينما كان سيحمل معه
هذا الهم .
و إن كان داخل أسوار المؤسسة ، فسوف يكون أشد الناس حرصا على ألا تضيع أية
دقيقة و سيستغلها في النقاش و الحديث ، مثل أوقات الإستراحة ، و ذلك بمناقشة
أصحابه و أقرانه، أو أخذ مبادرات في الفصل
للقيام بعروض و أنشطة موازية في بعض الحصص الدراسية . و جل المبادرات التي
تصب في مصلحة تثقيف التلميذ و تخرجه من حالة "الخمول العقلي".
* العنصر الثاني :
" العمران"
يجب
أن تكون الساحة التلمذية هي معقل بداية و إنطلاق صافرة حراك ثقافي تلمذي . و ذلك من خلال
إستغلال كل أماكن المؤسسة من خزانة و قاعة العروض... لبث الوعي و لولادة
بعث فكري داخل أوساط التلاميذ . و كذا
عن طريق إنشاء نوادي مدرسية تعمل على نشر فكرة الحراك الثقافي في الوسط
التلمذي . يجب أن نعمل من أجل دحض المقولة التي تقول " المدرسة توظف و
لا تثقف " – رغم حقيقة الأمر- لكن يجب أن نحاول جعل المدرسة مكانا للتثقيف و
تلاقح الأفكار و تبادل المعارف و لو بشكل نسبي . فأية فائدة في إثنتي عشرة
سنة يقضيها التلميذ المغربي داخل المؤسسة التعليمية ولا يقدر على القيام بعرض
؟ و ما المنتظر من تلميذ فنى عمره بين جدران المؤسسة و لا يزال
في تعبيره ركاكة لغوية ؟ و ما قيمة مدرسة
يقضي فيها المرء أيام شبابه دون أن يتعلم إعتناق
قضايا أمته، إنما الإكتفاء بخويصلة نفسه ؟
* نشر سابقا في مجلة "الصحوة" العدد الخامس - مارس 2015
الأربعاء, نوفمبر 11, 2015
تعليقات
إرسال تعليق