راهن القضية الفلسطينية في ضوء المتغيرات العالمية
سوريا – الثورة
اليتيمة- ، مصر –الردة الديمقرطية- ، لبنان–الحرب الطائفية- ، الخليج –المد
الايراني- ، العراق-التدخل
الأجنبي- هذه عناوين تلخص حلقات مسلسل يحكي عن واقع عالم يعيش في دوامة
صراعات. عناوين تخفي في ثناياها حكايات كل بلد من بلدان عالم حكم عليه بأن يكون "تورممتر"
يقيس به العالم درجة استقراره لضمان
مصالحه، مسلسل حكايته أن العالم الاسلامي
هو مقبرة دفن فيه الوجه البشع للبشرية .
يغذو واضح للعيان أن مجتمعاتنا العربية و
الإسلامية تعيش أسوء حالاتها بعد الربيع الديمقراطي الذي عرفته المنطقة في 2011 ،
فالمتتبع لما آلت إليه الاوضاع في هذه الدول بالوطن الاسلامي ليجد نفسه مصابا بالدهشة و الحيرة و هو يراقب مجتمعاتنا غارقة في دمائها بعد أن
تحولت أمالها إلى آلام .
و في ضوء هذه المتغيرات
الجيوسياسية بالمنطقة العربية الاسلامية ، بعث خالد مشعل في مؤتمر صحافي بالدوحة
لطرح رؤية حركة المقاومة الإسلامية لحل الأزمة الفلسطينية دعوة إلى كل الدول
العربية و الاسلامية لتحمل مسؤوليتها تجاه
الاقصى و القدس و المقدسات فيه ، لكنه خصَ في دعوته الادرن و السعودية و مصر و
المغرب لما لها من دور كبير في إدارة ملف القضية الفلسطينية . فهل من مجيب ؟
مما لا يعطي مجالا للشك
القول بان ما يجري اليوم في الوطن الإسلامي ليس من محض الصدفة، بل إن جزء غير يسير
منه هو تنزيل لمشاريع إمبريالية هدفها صرف أنظار المسلمين عن القضية الفلسطينية،
من خلال خلق مشاكل داخلية للدول الاسلامية و محاولة إثارة النعارات الإثنية فيها و
زعزعة الاستقرار بين أهلها لقيام حروب أهلية .
ففي 1993 أصد "شمعون
بيريز" كتابا بعنوان [ الشرق الاوسط الجديد ] فكتب يقول : " في الماضي
كانت المشكلة الفلسطينية تشكل القضية المركزية في الصراع العربي _ الاسرائيلي ... لكنه امر لم يعد موجودا الان، فقد أصبحت القضية
المركزية هي السلاح النووي الذي في حال وصوله الى أيدي المتعصبين الدينيين سيشكل
خطورة ليس على الاقليم فحسب، و انما يمتد ليشمل العالم بأسره .
فما يحدث اليوم في الوطن
الاسلامي يؤكد أن مستوى إهتمام الانسان المسلم بالقضية الفلسطينية قد تراجع بنسبة
كبيرة في مقابل متابعته لتطورات الاوضاع في العراق و حربه على ما يسمى ب – تنظيم
الدولة الاسلامية – ، متابعته للاوضاع في سوريا و مستقبل بشار الاسد – لكنه في
متابعته للشأن السوري لا يصل مستوى إهتمامه إلى اللاجئين الفلسطينين في مخيم
اليرموك- ، تتبعه للاوضاع في اليمن و تمدد الحوثيين ، و مواصلة الاهتمام بالانقلاب
في مصر ، و تطورات الاوضاع في تونس كل هذا و ذاك في دائرة إهتمامات الانسان المسلم
مقابل عدم الاهتمام بتطورات الساحة
الفلسطينية و حصار غزة و الانقسام الفلسطيني .
بل و بالرجوع إلى ما أورده
"شمعون بيريز" في كتابه فقد أصبح كلامه حقيقية على أرض الواقع لأن
المواطن العربي اليوم كل تخوفاته هي الاتفاق النووي الايراني بل و كيف أن الدول
الخليجية كادت أن تفقد صوابها بعد توقيعه و جندت الاعلام الخليجي و العربي للإظهار
خطورة هذا الاتفاق . و اصبح الشغل الشاغل للصحف ، النشرات الاخبارية ، الاذاعات و
مواقع التواصل الاجتماعي هو حصول ايران على السلاح النووي مما جعل الولايات
المتحدة الامريكية تطمئن حلفائها الخليجيين بقيام وزير الدفاع الامريكي بزيارة إلى هذه الدول و عقد قمة كامب ديفيد مع
زعماء الدول الخليجية .
لا أنكر أن مجتمعاتنا
منشغلة بترتيب بيتها الداخلي بيد ان هذا التفريط في متابعة مستجدات القضية
الفلسطينية – رسميا و شعبيا - غير مبرر لانه إقرار ضمني بأن أنها قضية شعب واحد،
بل إن إسرائيل تستثمر هذا المناخ الاقليمي لتنفيد مشاريعها التهويدية في القدس و
للتقسيم المسجد الاقصى زمنيا و مكانيا فغياب هبة جماهيرية حول اقتحام المستوطنين
للمسجد الاقصى سببه السلوك المعتاد و الاقتحام المتكرر لهم لساحاته يجعل من المشهد
أمرا مألوفا و إعتياديا و ربما سلوك يومي لا مناص منه. فلو أرجعنا ذاكرتنا إلى
الوراء قليل قبل 2010 كيف كانت شوارع العواصم العربية تعج بالجماهير الغاضبة من
الحصار المفروض على غزة ، و إقتحام المسجد الأقصى ، و قضية الاسرى و قارناها باليوم لتبين أن الشعوب قد صرفت
إنتباهها عن مسرى نبيينا و ولت وجهها شطر قضايا ثانوية و لا تقل عنها القضية
الفلسطينية إهتماما، بل و أحيانا قد تكون قضايا مصنوعة صنعها الاعلام لاثارة الرأي
العام .
و ما يؤكد صحة ما ذهبنا
فيه و لا يدع مجالا للشك في تحليلنا هو مدى تعاطف الشارع العربي و الدولي مع حادثثين متماثلتين من حيث الضحية و البشاعة
؛ حرق الرضيع الفلسطيني "علي دوابشه" في دوما بمدينة نابلس و غرق الطفل
السوري ذي الثلاث سنوات في البحر الابيض المتوسط . فالحادثة الاولى إنحصر التعاطف
الدولي و الشعبي معها في حدود جغرافية لا تتعدى الساحة الفلسطينية و بعض الهيئات
الحقوقية الدولية ، أما الحادثة الثانية فقد هزت نفوس الملايين في العالم و كانت
موضع إهتمام في وسائل الاعلام و مواقع التواصل الاجتماعي . السؤال الذي يفرض نفسه
هو: ما سبب هذه التباين في التعاطف الرسمي و الشعبي ؟ أليست كلتاهما روحا ؟ أليس حرق رضيع ذي ثلاثة أشهر مع والده و والدته
أشد بشاعة ؟
من نافل القول الإشارة إلى
أن تراجع الاهتمام الدولي و الإسلامي بالقضية الفلسطينية قد بدا يتنامى تدريجيا ؛ من
ناحية رسمية و هذا نلاحظه في أن القمم الدولية و العربية أصبح على أجندتها و في جدول أعمالها الارهاب ،داعش،
ايران و الحوثيين و غياب للقضية الفلسطينية – مؤتمر شرم الشيخ الاخير دليل – . و من
ناحية شعبية و جماهيرية نستقيه من إنعدام التفاعل من التطورات على الساحة
الفلسطينية .
اذن اننا اليوم في مسيس
الحاجة إلى رؤية إسلامية جماهيرية جديدة نحو القضية الفلسطينية و الدعوة إلى نقلها
من أيدي الحكام و رؤساء العرب إلى أيادي الاحرار
و الشعوب الثائرة . و جعلها من أولى الاولويات لان في مثل هذه المياد
الراكدة التي يوجد فيها العالم العربي الاسلامي تجد بعض الكائنات الميكرسكوبية
الطفيلية ظروف العيش الملائمة لتزاول مهامها التطبيعية مع الكيان الصهيوني و تقتات
على فتات خلافاتنا الداخلية و الاقليمية على حساب أجندات و مطامع إمبريالية . و يبقى السؤال العالق في ذهني هو ماذا إستفادت
القضية الفلسطينية من ربيعها ؟ أم أن رياح الخريف قد عصفت بكل الأوراق ؟
تعليقات
إرسال تعليق