لــــكم دينــكم و لــــي ديــن




إنه لقول ثقيل، لكن لا بد من تعويد الذات على سماعه، فالحقيقة بالرغم من وقعها الكبير، و وطأتها على وثوقياتتا، الا انه لا مناص و لا مفر لنا منها. لان من طبيعة الذات الانسانية البحث عن الإجابات الجاهزة، و الركون إلى حافة الطريق للتخلص مع عبء التفكير المضني [ شيخي يفكر اذن أنا موجود]، و تميل كل الميل الى الاحساس بالدفئ. اذن، لا يمكن ترويض هذه "الانا المغرورة" إلا بجعلها تحس بين الفينية و الاخرى ببعض البرد و الصقيع، و ان تتنفس هواء اللايقين كي نخلصها من غرورها الذي يحجبها عن الحقيقة.
لذلك دعونا أكثر من مرة، الى ضرورة امتلاك الوعي النقدي، و القطع مع المعرفة المؤدلجة و فتح افاق السؤال و الانخراط في مغامرة التنقيب الايبستمولوجي، و بالخصوص في مواضيع ذات صلة بالمرجعية الثقافية لمجتمعاتنا. فكلما هممنا بنشر فكرة أو تدوينة على صفحتنا بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" تبحث عن تدوير لبحث الوثوقيات في الثرات، الا و أصطدم بصقور الكهنوت و أصحاب العقليات "الكلسية"، الذيم يعتبرون ان أي محاولة للحفر في الثرت هو أمر مرفوض؛ و لسنا أفضل من فقهائنا القداماء . و الاسوء من هذا هو كلما كانت نيتنا الاعلاء من مكانة الدين، و الفصل بينه و بين ما علق به من ممارسات لاخلاقية و لاانسانية في مسيرة التاريخ، الا و قوبلنا بسيل من السب و الشتم، و احيانا فتوى مجانية بالتشيع و الالحاد و العلمنة و الزندقة.
فقد كتب أحدهم على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" و أحد"الحراس" ، أن حكم تارك الصلاة هو القتل بقول جمهور العلماء، لانه "كافر"، لكن عندما تدافع عن النص الديني و تحاول تخلصيه من هذه الاوزار التي حملها الناس له، ترمى بحجارة من المعبد و حراسه. فللأسف، أكثر من شوه الدين هم المتدينون بقراءتهم الاختزالية للنص الديني، و صاحبنا هذا ما هو إلا غيض من فيض... لذلك فكل قراءة فاشية للنص الديني تجفف منابع الحياة الأخلاقية، وتطفئ جذوة الحياة الروحية، ويتحول فيها الدين إلى أداة للفتك بالانسان، وتدمير الأوطان،  فتحرير مجتمعاتنا يبدأ بتحرير النص الديني من هذه القراءات. (عبد الجبار الرفاعي)
انه لمن المؤسف، ان تكون المدرسة ثدي المواطنة، من اول الاماكن التي تربي في التلميذ للفكر المتطرف، و ان تكون الفضائيات، خصوصا ذات التوجه الديني من تحرض على الفهم الاختزالي للنص الديني. فمقرراتنا و فضائياتنا قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة. و بالتالي، لا بديل لنا الا باعادة النظر في فهمنا للنص الديني و دراسته على ضوء ما استجد من علوم و نظريات في عالمنا المعاصر. فالاموات هم فقط من يستشهدون بالاموات، أما الاحياء فيتفاعلون مع الاحياء. و هذا لن يتأتى الا باصلاح ديني جذري، يبدأ عملياته الحفرية من اول البديهيات الى اخرها.
هذا الاصلاح الديني يتحرى الاعلاء من البعد الانساني في الدين، و تجديد فهم النص الديني بمنظور انساني. و ان تجعل من الدين مصدر اخلاقي رفيع من خلال فهمه في اطاره الزمكاني. اما قطع النص مع سياقه التاريخي ففيه مغامرة، بل و اساءة لمضمون رسالته التي اجملها النبي (ص) في حديثه: [انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق].
 ففي الوقت الذي يناضل فيه العالم للدفاع عن حقوق الانسان، و احترام كرامته و جعله قيمة في حد ذاته، ترفع أصوات من هنا و هناك مطالبة بتطبيق جملة من الأحكام و الحدود، بحجة "تطبيق" الشريعة. و أستغرب من هؤلاء الذي يرون شرع الله فقط في أحكام قانونية و حدود تاريخية لا تصلح لعصرنا و تحدياته؟

إن شرع الله، ليس هو حدود تاريخية كان الغرض منها معالجة مشاكل إجتماعية او اقتصادية في زمن الرسول، بل إن شرع الله هي جوهر تلك الحدود و ماهيتها. و  هنا ضرورة التشبع بالفكر المقاصدي الذي لا يغرق بين متاهات النصوص الدينية، بل يغوص في أعماقها لسبر كنهها. بل يمكن القول إن شرع الله هو فقط تلك القيم الأخلاقية التي عملت تلك الحدود التاريخية على تمثلها : "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ" و "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ  وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا  اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ  وَاتَّقُوا اللَّهَ  إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ "
نلخص فنقول، أن هكذا أفهم شرع الله، و لن أرضى أن أؤمن بنسختكم المشوهة التي تسلب إرادة الانسان أمام المعبد و جنوده، و لكم دينكم و لي دين.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

محمد عابد الجابري: "ناقد" العقل العربي

في ذكرى رحيله: سمر فكري مع الشهيد حسين مروة

سؤال الدين و الحرية ؟